سلايدر

سقوط النادي القنيطري لكرة القدم إلى قسم الهواة.. من سقوط الإسلام السياسي

منتصر حمادة

هي قضية رياضية، أولاً وأخيراً، ولكنها ذات تبعات اجتماعية وثقافية وسياسية، ضمن تبعات أخرى، وهذا هو حال كرة القدم في العالم بأسره، وسوف نتوقف عند نموذج حديث، قبل العروج على ما جرى في القنيطرة، وعلاقة ذلك بالظاهرة الإسلامية الحركية، في نسختها الإخوانية بالتحديد.
يتعلق الأمر بلقطة استمرت حوالي 30 ثانية، عبارة عن عناق نبيل بين ميسي ونايمار، مباشرة بعد نهاية اللقاء الذي جمع مساء أول أمس فريق الأرجنتين والبرازيل في نهائي كوبا أمريكا، ومدته 90 دقيقة، والذي انتهى بفوز الأرجنتين، وإزالة نحس كان يطارد الفريق إضافة إلى تتويج جديد لمن يعتبر أحسن لاعب في العالم خلال العقد الأخير على الأقل.
تميز اللقاء بالحدة، من كثرة الأخطاء وما يشبه العنف في التدخلات، كما تشهد على ذلك عدد البطاقات الصفراء، ولكن مشهد العناق غطى بشكل كبير على تلك الأحداث، وسواء تعلق الأمر بالفن أو الرياضة أو مجالات أخرى، ثمة مناسبات نوعية يمكن استغلالها من أجل تربية الذوق الجماعي والإنساني، بما يُفيد أن الأمر، منذ زمان، في عالم كرة القدم، ليس مجرد كرة قدم، وإنما هناك قيم ودروس وإشارات تمرر.
هذا يُحيلنا على ما جرى في مدينة القنيطرة خلال نهاية الأسبوع الماضي، عندما أعلن رسمياً عن سقوط النادي الرياضي القنيطري لكرة القدم إلى قسم الهواة وهو الذي كان منذ عقدين تقريباً، أحد أعمدة كرة القدم المغربية على مر تاريخها، بل إن الحدث كان حدثاً في المغرب بعدما تأسف أغلب المتتبعين للشأن الكروي، عن الأوضاع التي آل إليها فريق أعطى الشيء الكثير للكرة الوطنية، لكنه ذهب ضحية صراعات وسوء تسيير، بشهادة أغلب المتتبعين، وليس صدفة أن بعض المواقع الإخبارية العربية، وليس المغربية وحسب، عنونت الواقعة بعناوين من طينة: “حزن في المغرب بعد نزول النادي القنيطري إلى قسم الهواة”.
من كان يُصدق أن النادي القنيطري، أو “الكاك”، الذي أنجب بعض من أساطير الكرة المغربية من قبيل محمد رياد، بوجمعة بن خريف، كالا خليفة العبد، البويحياوي، البوساتي، جمال جبران، نقيلة، عزيز بوعبيد، يوسف شيبو، رشيد برواس، عجز على الأقل في الحفاظ على مكانة لا يستحقها لا في الأصل ولا في التاريخ، أي القسم الثاني، فالأحرى أن يُصبح اليوم في قسم الهواة.
لم تتردد نسبة من شباب المدينة، في التفاعل الرقمي مع الحدث، عبر نقد العديد من المسؤولين عما حديث، وفي مقدمتهم عمدة المدينة، الذي ينتمي إلى مشروع إسلامي حركي، إخواني كما سلف الذكر، وبيان ذلك أنه في العرف الكروي المغربي، تمويل الفرق هنا لا علاقة له بوزير الشبيبة والرياضة أو رئاسة الحكومة، وإنما مرتبط بالميزانية النسبية التي توفرها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومرتبط على الخصوص بالميزانية الصادرة عن مجلس المدينة، بما يُفسر أن إسم عمدة المدينة، وإسم الحزب الذي ينتمي إليه، كان حاضراً في التدوينات النقدية التي صدرت بعد الإعلان الرسمي عن نزول فريق المدينة إلى قسم الهواة، كما كان حاضراً أيضاً في مضامين أشرطة فيديو غاضبة لبعض شباب المدينة.
ما جرى في الواقع، كان أشبه باستفتاء شعبي، مباشر، دون دعاية وحملات انتخابية، وتضليل وشراء الذمم بالخطاب الديني والوعود المعسولة، التي تتضح حقيقتها لاحقاً، بخصوص مآل المشروع الإخواني في مجتمع لا يرفع شعار “المرجعية الإسلامية”، لأنه مجتمع مسلم أساساً، بل إن المقارنات في المدينة وصلت إلى ما قام به الفقيد محمد دومو، الرئيس السابق للنادي القنيطري لكرة القدم، والذي أدخل الفريق إلى التاريخ الكروي المغربي، مع أنه لم يكن يتحدث أساساً عما يُسمى “المرجعية الإسلامية”، ولا يزايد على ساكنة المدينة بالخطاب الديني والأخلاقي، وبين أداء عمدة المدينة الحالي المنخرط في تلك المزايدات، بحكم انتماءه الإيديولوجي للحزب الإسلامي الإخواني.
ما جرى كان استفتاءً بخصوص بعض مآلات هذا المشروع في الساحة القنيطرية، على غرار نماذج أخرى للمشروع نفسه في مدن أخرى، أي المشروع الذي يوظف الخطاب الديني من أجل الارتقاء الاجتماعي، مع أن هذا الخطاب الديني، مشترك وطني، ولا يحتمل الاحتكار والتوظيف، وإذا كان من حق فاعل سياسي ما، توظيف مرجعية ليبرالية أو حداثية أو قومية أو يسارية أو اشتراكية… إلخ، فهذا شأنه، ولكن المرجعية الإسلامية، إذا كان يُقصد بها مرجعية النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، لا تحتمل هذا التوظيف سيء الذكر في العمل السياسي والانتخابي، بل إن مؤسسة إمارة المؤمنين، هي الحالة الوحيدة التي يسمح لها العرف المغربي، والدستور المغربي، أن تكون حاضنة ومدافعة وحامية المرجعية الإسلامية للمغاربة، وليس أتباع حسن البنا وسيد قطب وعبد الكريم مطيع واللائحة إياها، أما الباقي، فلا يحق لأحد منهم التورط في ذلك، إلا عند أتباع المشروع الإخواني، كما نعاين منذ إدماجهم في العمل السياسي والحزبي.
صحيح أن حقيقة المشروع كانت واضحة، بل اتضحت أكثر، مباشرة بعد اندلاع أحداث “الفوضى الخلاقة” [2011 ــ 2013]، إلا أنها كذلك عند النخبة فقط، سياسية كانت أو بحثية أو دينية أو غيرها، ولكنها لم تكن كذلك عند الشارع، أو العامة، أو الرأي العام، إلى غاية اقتناع نسبة لا بأس بها من هذا الشارع، بحقيقة هؤلاء، وفي حالة مدينة القنيطرة، كانت بالكاد نسبة من الساكنة ترفع شعار “الله يأخذ الحق” في مجلس المدينة، الذي يقوده مسؤول إخواني، وهو وزير أيضاً، باسم المشروع الإيديولوجي، ولكن كان علينا انتظار سقوط الفريق الأول للمدينة، فريق النادي القنيطري إلى قسم الهواة، حتى تنضم ساكنة المدينة المعنية بمتابعة الشأن الرياضي، إلى التيار الذي يرفع الدعاء نفسه: الله يأخذ الحق في هؤلاء، ونزعم أنها مسألة كونية، وبالتالي تحصيل حاصل، وإن كانت معضلة “عمى البصيرة” تحول دون أن ينتبه إلى ذلك أعضاء المشروع الإخواني هناك، فإن الزمن النقدي والشعبي، كفيل بتوضيح الصورة لهم، ولأتباعهم.
في زمن ما، كان عمدة مدينة القنيطرة، يتجول في الشارع، بما في ذلك الأحياء الشعبية، براحة بال، بل إن الحملات الانتخابية كانت تتطلب نشر بعض صوره رفقة البسطاء، كما هو الحال مع تلك الصورة “الشهيرة”، وهو في مطعم شعبي رفقة بسطاء من أجل وجبة “بيصارة”، قبل أخذ مسافة منهم بعد الوصول إلى مقام علية القوم في المدينة، ولكن دارت الأيام والسنوات، وأصبح المسؤول نفسه، عاجزاً عن التجول في المدينة بحرية كما كان يفعل من قبل، لأن نظرات الساكنة تغيرت، والأدهى أن نظرات مصاحبة بالدعاء أعلاه، وبالتالي مصاحبة بنبرة شفقة وحسرة على مآل الخطاب، وحتى لو فاز مجدداً في أي استحقاق انتخابي، إما بسبب استغلال المشروع الإخواني لمعضلة العزوف أو بسبب تحالفات مع فلان أو علان، أو لأسباب أخرى، فإن نبرة الشفقة إياها لن تتغير، ولن تتغير معها معالم الدعاء الذي ترفعه ساكنة المدينة ضد المسؤول ومن معه، ممن يتحملون مسؤولية كبيرة في مآل فريق النادي القنيطري، والتاريخ يسجل ذلك، كما يُسجل كشف حقيقة هذا المشروع، للعامة والخاصة.
ليست مجرد كرة قدم إذن، بل إنها في حالة مدينة القنيطرة، كشفت للبسطاء أنفسهم حقيقة هؤلاء.

زر الذهاب إلى الأعلى