الرأيسلايدر

المغرب ومعضلة أقلام الازدواجية: نموذج طارق رمضان وإدوي بلنيل

منتصر حمادة

لم تستوعب العديد من “نخب” الساحة، وخاصة “نخبة” المجال الفكري والمجال الديني، التحولات البنيوية (والتاريخية) التي تحدثها الثورة الرقمية، ومنها ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، على الإنسانية جمعاء، وليس على مجتمع أو نظام أو دولة. بعض ما جرى في أحداث “الفوضى الخلاقة” [2011 ــ 2013]، عبارة عن نموذج تطبيقي لهذه التحولات.
لقد وَلت الحقبة التي كان فيها الحديث عن المثقف أشبه بالحديث عن رسول أو نبي، من فرط المثالية التي تصاحب ذلك الحديث، وإحدى أسباب هذا التحول مرتبطة بما تقوم به هذه الثورة الرقمية، بما لها وما عليها، ومن سوء حظ شعوب المنطقة، أنه لا توجد دراسات وإصدارات نوعية حول هذه الثنائية، مع بعض استثناءات.
المثقف اليوم هو خبير أو موظف أو أداة وظيفية في مشاريع استراتيجية، من قبيل ما عايناه قبل سقوط نظام صدام حسين في العراق، ومن بوسعه أن يصرف النظر عما كانت تقوم به صحفية “الزمان” اللندنية، التي كانت تنشر لأقلام المعارضة العراقية في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، سواء تعلق الأمر بالمعارضة الشيعية أو معارضة القوميين والإسلاميين، وكان البعض يعتقد حينها أن الأمر منصة إعلامية شاردة، بينما اتضح أنها لم تكن كذلك عندما ساهمت في الدعاية لإسقاط النظام العراقي عبر الدبابات الأمريكية من أجل “زرع الديمقراطية” المفترى عليها، وكان عنوانها نقل السلطة إلى المحور الإيراني ــ الشيعي ــ الصفوي.
المعضلة نفسها حتى مع الفاعل الديني وخاصة هنا في دول مسلمة تتميز بتأثير كبير للخطاب الديني، فالأحرى مع المثقف. أما من لا زال يتحدث عن “المثقف العضوي” وغياب غرامشي هنا أو هناك، فهذا كلام يفيد أن صاحبه يفكر بعقل الحرب العالمية الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفياتي.
في هذا السياق، يجب قراءة ما يقوم به الثنائي طارق رمضان وإدوي بلنيل ضد المغرب خلال الآونة الأخيرة. الأول باحث وواعظ أوربي، وهو حفيظ حسن البنا أيضا، حتى إنه اشتهر بما يُشبه ترجمة خطاب ومشروع حسن البنا للجاليات المسلمة في أوربا، رفقة هاني رمضان، الحفيد الآخر، الذي يقيم في جنيف بسويسرا، وقد اخترقوا كثيرا مخيال مسلمي أوربا، وهذا موضوع آخر.
والثاني، إعلامي وكاتب، وكان أحد رموز صحيفة “لوموند” الفرنسية، قبل إطلاقه موقع “ميديابارت” المتخصص في التحقيقات الصحفية. وهو أحد رموز تيار “اليسار الإسلامي”، أو بتعبير أدق “اليسار الإسلامي الحركي”، في نسخته الإعلامية، موازاة مع وجود العديد من الرموز في المجال البحثي، من قبيل فرانسوا بورغا.
لم يتردد الأول، طارق رمضان، في وصف المغرب مؤخرا بأنه “دولة مارقة” [كذا]، على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في تدوينة تزامنت مع هذه الحملة الدولية التي انخرطت فيها العديد من الجهاد ضد المغرب بخصوص التجسس الرقمي.
بل نشر طارق رمضان التدوينة بالعربية والفرنسية والإنجليزية، قبل صدور عدة انتقادات ضده، مقابل صمت إسلاميي المغرب والمنطقة، بمقتضى التحالف الإيديولوجي بين المنظومتين، وكانت هذه التدوينة فرصة للعديد من الجهات والمؤسسات والجمعيات المغربية، بما فيها الجمعيات المغربية الفرنكفونية، التي تعودت على توجيه الدعوة لطارق رمضان لكي يحاضر في هذا الموضوع أو غيره، على الأقل، اتضحت لها الرؤية اليوم، اتجاه واعظ وباحث يصف الدولة التي يتوصل منها بدعوات لا حصر لها، بأنها “دولة مارقة”، بلا أدنى حياء.
أما الثاني، إدوي بلنيل، فإنه منخرط طولاً وعرضاً في تلك الحملة المشبوهة أساساً، وبلنيل هذا للتذكير، هو الذي ألف كتاباً عن مسلمي فرنسا بعنوان “من أجل المسلمين” في سنة 2016، وليس صدفة أن الدولة التي ترجمت الكتاب للعربية، هي قطر، وهي الدولة ذاتها التي تحتضن مركزاً بحثياً يشتغل على موضوع الأخلاق، ويرأسه طارق رمضان بالتحديد، على الأقل، قبل منعطف المتابعة القضائية التي تعرض لها في فرنسا بخصوص موضوع الاعتداء الجنسي.
ما دام الشيء بالشيء يُذكر، وفي معرض التنبيه إلى زيف خطاب العديد من هؤلاء، من أتباع الازدواجية والتقية وما جاور تلك الأدبيات الإسلاموية، سبق لهذا المركز أن نظم ندوة دولية حول الأخلاق، وعرفت مشاركة بعض الباحثين من المغرب، على اعتبار أن محور الندوة، كان أعمال طه عبد الرحمن حول الأخلاق [نقول هذا بصرف النظر عن انفتاح الأقلام الإخوانية على طه عبد الرحمن والدعاية له، مباشرة بعد صدور كتابه “ثغور المرابطة”، 2018، والذي كشف فيه عن مواقف سياسية إيديولوجية، لا تختلف عن مواقف الإسلاميين، وأحياناً، تتقاطع حتى مع خطاب القتاليين، فهذا موضوع آخر] ومع أن موضوع الندوة سالفة الذكر، يهم الهاجس الأخلاقي في مشاريع الإصلاح هنا في المنطقة، إلا أن أحد معدي الندوة، التي صدرت أعمالها في كتاب جماعي، طلب من أحد الباحثين المغاربة المشاركين في الكتاب، أن يدرج إسم السعودية في مساهمته، ولكن منظور نقدي، مع أن مساهمة الباحث المغربي هنا لا علاقة له أساسا بالخلافات الخليجية، ولا تتطرق لأداء هذه الدولة أو تلك، بحكم اشتغاله على موضوع الإصلاح الإسلامي المعاصر من منظور الأخلاق.
نحن أمام فسيفساء، تتطلب استحضار مجموعة من العناصر والمحددات، حتى نقرأ بعض أسباب هذه الحملة على المغرب، وليس التحالف اليساري ــ الإسلامي الحركي، كما هو الحال مع نموذج واحد فقط، تطرقنا إليه في هذه المقالة، دون الخوض في تفاصيل أخرى، ضمن نماذج أخرى بالطبع، سوى محطة من المحطات التي يجب استحضارها في معرض قراءة هذه الحملات، ومدى ورطة العديد من أقلام الساحة، في الفكر والدين، وهي الورطة التي اتضحت بشكل جلي مباشرة بعد اندلاع أحداث “الفوضى الخلاقة”، والتي كشفت حقيقة العديد من هؤلاء، وخاصة أدعياء “الوسطية” و”الاعتدال” و”الدولة الوطنية” و”المراجعات”.
يكفي تأمل دلالات هذا الاحتفال المحلي هنا في المغرب، للعديد من هؤلاء، بدخول طالبان إلى كابول، ولسان حال بعضهم، ماذا لو تكرر المشهد نفسه في العديد من الدول الإسلامية، لأنها ليست إسلامية بما يكفي من منظور هذه الجهالات الدينية.

زر الذهاب إلى الأعلى