أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: بوادر انفراج في علاقات البلدين..المغرب يفتح ذراعيه لألمانيا لكن بعلاقات متوازنة

الدار/ افتتاحية

لم يتأخر المغرب كثيرا في الرد الإيجابي على محاولات السلطات الألمانية والحكومة الفيدرالية الجديدة استرجاع الزخم الدبلوماسي والتعاون الذي طبع علاقات البلدين على مدى عقود. وبمجرد أن تولى المستشار الألماني الجديد قيادة الحكومة خلفا لأنجيلا ميركيل فتحت وزارة الشؤون الخارجية المغربية كوّة أمل أمام تطبيع العلاقات بين البلدين من أجل استئناف التعاون الثنائي وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين، بالرباط وبرلين، إلى شكله الطبيعي. وليس اختيار التوقيت الذي أصدرت فيه الخارجية المغربية بلاغا متفائلا مسألة اعتباطية، بل ينطوي بدوره على رسائل عميقة موجهة للطرف الألماني ولقيادته السابقة على الخصوص.

ويأتي هذا البلاغ الرسمي مباشرة بعد تولي المستشار الألماني الجديد مقاليد السلطة عقب أزمة دبلوماسية بدأت منذ شهر مارس الماضي عندما قرر المغرب وقف كل أشكال التعاون مع السفارة الألمانية في الرباط. ويبدو أن اختيار هذا التوقيت جاء عقب مجموعة من الرسائل والتصريحات والمحاولات التي قامت بها السلطات الألمانية من أجل تطبيع العلاقات مع المغرب وإزالة الغيوم التي كدّرت صفوها، لكن الاستجابة بهذا البلاغ يؤكد بالملموس أن المشكلة الدبلوماسية بين البلدين كانت بالأساس جزء من مسؤوليات القيادة السابقة والحكومة المنتهية ولايتها برئاسة المستشارة أنجيلا ميركيل.

لكن أهم بند تضمنه بلاغ وزارة الشؤون الخارجية المغربية بخصوص استئناف التعاون بين البلدين، هو تلك الإشارة الواضحة إلى أن هذا المبادرة المغربية ليست شيكا على بياض، وإنما ستكون عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها مشروطة ببعض المقتضيات الضرورية التي لخصها البلاغ عندما ذكر أن المواقف البناءة التي تم التعبير عنها مؤخرا من قبل الحكومة الفيدرالية الجديدة يجب “أن تقترن هذه بالأفعال، بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة، على أساس الوضوح والاحترام المتبادل”. وتؤكد هذه الإشارة ما جاء في مضامين الخطاب الملكي لذكرى ثورة الملك والشعب في غشت الماضي عندما أعلن الملك محمد السادس أن المغرب يعمل على إعادة رسم قواعد التعامل مع مختلف الشركاء.

هذه القواعد الجديدة ستقوم بالأساس على الندّية والتكافؤ بين الطرفين، والقطيعة مع منطق الابتزاز والضغوطات والاستغلال الذي كانت تمارسه للأسف بعض الحكومات الأوربية، والألمانية من بينها، سواء لضمان بعض المصالح أو للتدخل في بعض الشؤون الداخلية للمملكة. وكانت الحكومة الألمانية السابقة قد راكمت مجموعة من المواقف المتناقضة مع روح التعاون والشراكة بين البلدين. بدأ الأمر عندما سارعت الحكومة الألمانية في إحدى المناسبات إلى دعوة مجلس الأمن للانعقاد خصيصًا من أجل مناقشة قضية الصحراء المغربية. وازدادت المواقف الألمانية عداء عندما نشر أحد مراكز البحوث المقربة من المخابرات الألمانية تقريرا يتحدث فيه عن ضرورة العمل على تقليص الطموح والصعود المغربي في منطقة المغرب العربي من خلال دعم الجزائر على حساب المغرب.

وقد حاولت السلطات الألمانية في الآونة الأخيرة التبرؤ من هذا التقرير عندما أعلنت أن الباحثة السويسرية التي أنجزته لا علاقة لها بمؤسسة المخابرات الألمانية. لكن المؤكد بعد صدور هذا البلاغ أن الدبلوماسية المغربية أضحت تحقق أهدافها الاستراتيجية الشاملة الهادفة إلى تبويئ المغرب مكانة دولية وإقليمية وازنة، من خلال قرارات جوهرية، إما بالانفتاح على علاقات ثنائية جديدة مثلما هو الحال في تطبيع العلاقات مع إسرائيل تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، أو من خلال وضع حد للعلاقات المسمومة وغير المتوازنة مع بعض البلدان، الأوربية على الخصوص، والتي كانت دائما مصدر قلق وطني على اعتبار أنها تعمل إما على ابتزاز المغرب بخصوص وحدته الترابية أو أنها تفاوضه من منطلق نظرة استعمارية متجاوزة. هذا ما حدث في الشهور القليلة الماضية مع ألمانيا وإسبانيا ويحدث بشكل غير معلن مع فرنسا نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى