أخبار الدارسلايدر

الكابرانات في مجلس حرب نفسي بحثا عن البوصلة المفقودة

الدار/ افتتاحية

انعقاد مجلس الحرب في الجزائر بعد 30 عاما من الغياب لا يمثل مجرد تهديد للسلم والاستقرار بالمنطقة المغاربية فقط، إنه بالنسبة لنا في المغرب علامة ارتباك وتيه وحيرة يغرق فيها النظام الجزائري الذي يترقب مصير تموقعه المستقبلي بين الولاء لروسيا والتبعية لفرنسا. وهذا الارتباك قد يكون مصدر ارتياح لنا نحن الذين نعاني منذ عقود من إساءات ومكائد هذا النظام، لكنه يمثل في الوقت نفسه مصدر قلق وترقّب تجاه عصابة العسكر التي تحاول في الوقت الراهن التنفيس عن الاحتقان الداخلي وعن حيرة التموضع الاستراتيجي المستقبلي من خلال تصدير إحساس بوجود عدوّ خارجي داهم هو المغرب.

هذه اللعبة الأمنية التي يمارسها هذا النظام على شعبه منذ عقود طويلة أضحت اليوم مختلفة نوعا. إنها مصبوغة حاليا بهذا التحوّل الدولي الذي يجري اليوم في ساحات عديدة على رأسها الساحة الأوكرانية، والذي ينبئ بإمكانية نشوء وإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد وفقا لقواعد وتحالفات مختلفة وجديدة. وهذا الانزواء وراء مجلس الحرب أو اللقاءات العسكرية أو الاجتماعات الطارئة إنما هو في الحقيقة خوف كامن من انهيار السند الدولي لهذا النظام وانتصار المعسكر الغربي في المواجهة الدائرة اليوم على أشدها في أوكرانيا. الكابرانات يتملكهم رعب شديد من هذا الاحتمال على اعتبار أنهم كانوا ولا يزالون مصرّين على اعتبار موسكو حليفا استراتيجيا على الرغم أن روسيا نفسها لا تعترف لهم بذلك.

مجلس الحرب الذي وصفه الإعلام الرسمي بمجلس الأمن جاء مباشرة بعد زيارة قام بها رئيس أركان الكابرانات السعيد شنقريحة إلى فرنسا والتقى خلالها بالمسؤولين الفرنسيين. لا يمكن فهم هذا الاجتماع إذن خارج هذا السياق، سياق الورطة الجزائرية بين ضغوط موسكو وباريس. ومن المؤكد أن هذا الاجتماع كان محاولة للإجابة عن التساؤلات التي بدأت تطرح نفسها بقوة على هذا النظام للحسم في مستقبل التحالفات والمواقف. فرنسا لم تقبل أبدا أن يحاول النظام الجزائري اللعب على الحبلين أو يبتز دول الاتحاد الأوروبي بورقة الغاز أو بالاختباء وراء الدب الروسي. ما عاشه السعيد شنقريحة في فرنسا لم يكن مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل كان رسالة تقريع شبيهة بعملية “تجباد الودنين”.

هذا اللقاء الذي أثار قلق الكثيرين، كان في الحقيقة مجلس حرب نفسي أكثر منه مجلس حرب عسكري أو أمني. مجلس الكابرانات يبحث عن تلك البوصلة المفقودة بعد هذه التطورات الدولية التي بعثرت أوراق القيادة الجزائرية وأتلفت مستندات المناورة السياسية. وما هذه المحاولات الإعلامية المتكررة لملأ الفراغ بنقاشات أو أحداث رياضية أو تصدير تبعات هذه الأزمة الاستراتيجية إلا دليل آخر على أن هذا المجلس، الذي ينعقد لأول مرة منذ ثلاثين عاما، يمثل فعلا لحظة توتّر نفسية بليغة يعيشها هذا النظام العسكري المتهالك. وعندما تعيش مثل هذه الأنظمة حالات توتر نفسية فإن الحذر واليقظة هما ردّ الفعل الطبيعي الذي يجب أن يتعاطى به الجيران وعلى رأسهم طبعا بلادنا.

النظام العسكري المتوتّر والخائف يمكن أن يرتكب في أي لحظة حماقة من الحماقات التي ستكون لها انعكاسات خطيرة على الاستقرار في المنطقة، وعلى مستقبلها الأمني والسياسي. وفي بلادنا تدرك السلطات جيدا هذه الأزمة النفسية التي يمرّ بها الكابرانات، وتعي جيدا أبعادها واحتمالاتها، لأنها ليست الأولى من نوعها التي يعيشها هذا النظام. لقد عاش المغرب منذ استقلال الجزائر الكثير من المحطات التاريخية المشابهة والتي أفضت نتائجها أحيانا إلى تهوّر ومواجهات ملتهبة كان سببها المباشر هذا الجار العاقّ، وفي لحظات أخرى إلى حرب باردة طويلة الأمد. واليوم لا مجال لهذا التهوّر، الذي إذا ما حدث لا قدّر الله، فإنه سيمثل نهاية حتمية لنظام عسكري بائد يصرّ على تقسيم المنطقة المغاربية وزرع بذور الفتنة والفرقة فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى