أخبار دوليةسلايدر

ورطة قيس سعيد في أحضان الكابرانات

لم يعد النظام التونسي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد المطعون في شرعيته يستطيع التقدم أكثر في ظل السياسات الاقتصادية الانتحارية التي نهجها هذا الرئيس منذ توليه السلطة. تونس تدفع اليوم ثمن تداعيات فوضى الربيع العربي وتداعيات جائحة فيروس كورونا، لكنها بالأساس ضحية التسييس المبالغ فيه الذي نهجه الرئيس التونسي الحالي منذ وصوله إلى السلطة، عندما حول كرسي الرئاسة إلى منبر للعنتريات الفارغة والطعن في تاريخ بلاده وثوابتها تجاه الجيران والأشقاء، وكذا وضعه لراية بلده وقرارها رهينة للكابرانات وإملاءاتهم العدوانية ضد المغرب بالأساس. ومنذ أن قبل قيس سعيد استقبال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، وهو يتلقى الوعود تلو الوعود من نظام الكابرانات.

لكن هل أجدت هذه الوعود بالمزيد من حقائب البترودولار في إخراج البلاد من أزمتها المالية والاقتصادية الخانقة؟ الجواب طبعا هو: لا، والدليل على ذلك قرار البنك الدولي بتعليق تعاونه ومفاوضاته من أجل شراكة جديدة، وما يعنيه ذلك من حرمان البلاد من خطوط تمويل جديدة، كان السبب الرئيسي لاتخاذه هو الاعتداءات التي يتعرض لها المهاجرون المنحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتصريحات الرئيس المتهورة ضدهم. قبل أيام قليلة، حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بعد تعبير الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد. وقال بلينكن ردًا على سؤال حول تونس خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي: “أهم ما يمكنهم فعله في تونس من الناحية الاقتصادية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

لكن كيف يمكن للنظام التونسي أن يتوصل إلى اتفاق كهذا في الوقت الذي يرهن نفسه لنظام العسكر الجزائري؟ على قيس سعيد أن يعيد لتونس أولا حريتها، بعيدا عن مساعدات المنّ التي يقدمها الكابرانات لتونس، مقابل الكثير من الإهانات والتصريحات التي تقلل من سيادة البلد على أراضيه، بل تعتبر الجمهورية التونسية مجرد ولاية جزائرية أخرى. وفي الخطاب السياسي المعلن، يحلو لبعض أطراف النظام التونسي أن يدّعوا سيادة مزعومة تجاه إملاءات الدول الخارجية، وتجاه البنك الدولي، لكنهم في الوقت نفسه لا يخجلون من البقاء رهن الإملاءات الجزائرية. السيادة كل لا يتجزأ، وإذا كان قيس سعيد يملأ خطبه بالشعارات الطنانة عن مواجهة الإمبريالية والرأسمالية العالمية فعليه ألّا ينسى أن إملاءات الكابرانات هي أيضا تطعن في سيادة بلده وتقلل من قيمتها.

لقد كانت تونس دائما بلدا رائدا في مجال اقتفاء طريق الحريات وحقوق الإنسان والدمقرطة، وكثيرا ما اعتبرناها في المغرب نموذجا يُحتذى على مستوى معانقة قيم الحداثة بعيدا عن أي عقدة، لكنها اليوم تتحول مع رئيس لا يحسن إلا الكلام المنمق، إلى نظام هجين لا يكاد يتخذ طريقا واضحا أو يتبنى نهجا سياسيا مفهوما يستطيع من خلاله أن يحقق الوحدة الوطنية المطلوبة في زمن الأزمات، ويرتكن إلى حلفاء مخلصين وصادقين يساعدونه على تجاوز الظرفية الحالية وعلى أخذ البلاد نحو برّ الأمان. وعندما تضيع البوصلة وتقودك إلى الارتماء في أحضان أنظمة حاقدة وعنيفة ومارقة مثل النظام الجزائري، الذي يقوم مشروعه الأساس على تشتيت دول المنطقة، فإن ذلك لن يكون أبدا بداية الحل لمشكلات الظرفية، بقدر ما سيكون بداية لتفاقمها وتعقدها.

فنظام الكابرانات الذي يُظهر اليوم حضنا مفتوحا لقيس سعيد وأتباعه لا يفعل ذلك لسواد عيونه وعيون التونسيين، وإنما لغايات سياسية خالصة على رأسها بناء تحالفات ضيقة وثنائية ضد المغرب وضد سيادته، والدليل على ذلك هو أن أول اختبار جمع بينه وبين المغرب في مؤتمر الشراكة اليابانية الإفريقية “تيكاد” في غشت الماضي كان سببا في فضيحة على الملأ استدعي فيها زعيم الانفصاليين إلى هذه القمة بعيدا عن أي احترام لشروط وقواعد تنظيم هذا الحدث التنموي الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى