ريمة حسن تفكك أوهام الجزائر: سقوط دعاية ربع قرن حول فلسطين والصحراء

الدار/ مريم حفياني
لم يكن تصريح النائبة الفرنسية الأوروبية من أصول فلسطينية ريمة حسن حدثاً عادياً في المشهد السياسي والإعلامي. بكلمات قليلة، لكنها قاطعة، أكدت أن قضية فلسطين لا يمكن أن تُقارن بملف الصحراء المغربية، لتضع بذلك حداً لإحدى أبرز المغالطات التي غذّاها النظام الجزائري لعقود طويلة.
غير أن أهمية هذا الموقف لا تكمن فقط في تفنيد خطاب قائم على الخلط والتضليل، بل أيضاً في ما قد يترتب عنه من تداعيات على صورة الجزائر وخطابها السياسي داخل أوروبا وإفريقيا على السواء.
فالجزائر اعتادت، منذ السبعينيات، أن تقدم نفسها كـ”صوت للشعوب المقهورة”، مستخدمة القضية الفلسطينية كدرع أخلاقي يبرر سياستها الخارجية. لكن هذا الخطاب كان في جوهره انتقائياً؛ إذ ركّز على فلسطين من جهة، بينما تجاهل أوضاع حقوق الإنسان في الداخل الجزائري أو دعم أنظمة استبدادية في الخارج. اليوم، جاء تصريح ريمة حسن ليكشف هذا التناقض أمام جمهور أوروبي أكثر وعياً بخلفيات الدعاية السياسية، وهو ما قد يضعف من قدرة الجزائر على الاستمرار في تسويق صورتها القديمة داخل المؤسسات الأوروبية.
في القارة الإفريقية، حيث تسعى الجزائر منذ سنوات لفرض أطروحتها الانفصالية عبر بوابة الاتحاد الإفريقي، قد يشكل هذا التصريح مرجعاً جديداً يعزز الطرح المغربي. فالدول الإفريقية التي تتعامل بحذر مع خطاب الجزائر ستجد في كلمات ريمة حسن تأكيداً على أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تُستعمل غطاءً لتبرير نزاع إقليمي مصطنع. وهذا قد يسرّع من التحولات التي تشهدها القارة، حيث يتزايد عدد الدول التي تعلن بشكل واضح دعمها لمغربية الصحراء.
أما على المستوى الأوروبي، فإن وقع تصريحها سيكون مضاعفاً، لأنه صدر عن نائبة شابة تنتمي إلى جيل جديد من السياسيين الذين يعطون الأولوية للشفافية والوضوح في المواقف. فبينما يعتمد الخطاب الجزائري على شعارات أيديولوجية تعود إلى الحرب الباردة، جاء تصريح ريمة حسن ليعكس لغة سياسية جديدة أكثر التصاقاً بالواقع وأكثر قرباً من القيم التي تدافع عنها المؤسسات الأوروبية. وهذا قد يؤدي إلى تقليص المساحة التي كان النظام الجزائري يستغلها داخل البرلمان الأوروبي وفي المنتديات الحقوقية الدولية.
الجزائر، التي بنت جزءاً كبيراً من نفوذها الدبلوماسي على استثمار القضية الفلسطينية، تواجه اليوم خطر فقدان هذه الورقة بعد أن باتت مكشوفة. واللافت أن هذه الضربة لم تأتِ من خصم سياسي مباشر، بل من شخصية فلسطينية، وهو ما يضاعف من صعوبة الرد ويجعل أي محاولة للتشويه أقل تأثيراً.
المغرب، من جهته، وجد في هذا الموقف دعماً معنوياً وسياسياً إضافياً يعزز حضوره الدبلوماسي المتنامي في إفريقيا وأوروبا. فقد أظهر أن الرواية المغربية حول الصحراء تتماشى مع الحقائق التاريخية والقانونية، وأن محاولات التشويش عليها عبر الخلط مع قضايا أخرى لم تعد تقنع الرأي العام الدولي.
إن ما قالته ريمة حسن قد يشكل نقطة تحول في كيفية قراءة الخطاب الجزائري مستقبلاً. فبدلاً من أن يُنظر إليه كصوت داعم للتحرر، سيُعاد تقييمه كخطاب انتقائي قائم على المتاجرة بالشعارات. وهذا التغيير في الإدراك قد يترجم على المدى المتوسط إلى تراجع في النفوذ الجزائري داخل الساحة الأوروبية، مقابل تعزيز موقع المغرب كفاعل إقليمي يحظى بالمصداقية والاحترام.
بهذا المعنى، يمكن القول إن تصريحاً واحداً قصيراً فتح الباب أمام إعادة تشكيل النقاش حول الصحراء المغربية وفلسطين في آن واحد، وفضح في الوقت نفسه حدود الدبلوماسية الجزائرية التي لم تعد قادرة على الاستمرار بالأساليب القديمة. المستقبل قد يحمل للجزائر تحدياً أكبر: كيف تبني خطاباً جديداً في زمن لم يعد يقبل بالمتاجرة بالقضايا العادلة؟