التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب
التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب

الدار/ إيمان العلوي
تشهد الساحة الرقمية في المغرب في الآونة الأخيرة انتشاراً لافتاً لمقاطع فيديو قديمة يجري إعادة نشرها على منصات التواصل الاجتماعي على أنها أحداث راهنة، في محاولة واضحة لتضليل الرأي العام وخلق صورة زائفة عن وجود حالة احتقان داخل البلاد.
وتدير هذه العملية آلاف الحسابات الوهمية المرتبطة بالخارج وعلى الخصوص بالجزائر، بعضها يُنشأ خصيصاً لهذا الغرض، بهدف استهداف فئة الشباب ودفعها نحو التوتر أو ردود فعل متسرعة، مستغلةً ميل هذه الفئة إلى التفاعل السريع مع المواد المصورة التي تحمل طابعاً صادماً أو درامياً.
وقد حذرت السلطات المغربية من هذه الظاهرة وأكدت أن الأمر يدخل في إطار حملة منظمة تستعمل التضليل كسلاح رقمي، بعدما تبين أن العديد من المقاطع التي جرى تداولها تعود إلى سنوات سابقة أو وقائع محلية وخارجية لا علاقة لها بالوضع الراهن.
هذه الاستراتيجية القائمة على تدوير المحتوى القديم ليست جديدة، لكنها باتت أكثر خطورة بفعل الانتشار السريع الذي تتيحه خوارزميات المنصات الاجتماعية، حيث تُمنح الأولوية للمحتوى المثير للجدل من دون تمحيص في مصدره أو تاريخ نشره. ويجمع خبراء الإعلام الرقمي على أن الهدف الأساس من هذه الحملات هو التشويش على الحقيقة، وتبديد الثقة في المؤسسات الرسمية والإعلام التقليدي، إضافة إلى تغذية الانقسام بين مختلف الفئات الاجتماعية، وهو ما يجعلها شكلاً من أشكال الحرب النفسية الموجهة. وتُطرح هنا إشكالية كبرى تتعلق بضعف الوعي الرقمي لدى قطاعات واسعة من المستخدمين الذين لا يتأكدون من صحة ما يشاهدونه، الأمر الذي يتيح للمحتوى الزائف فرصة أكبر للانتشار.
وفي مواجهة ذلك، تبرز الحاجة إلى مقاربة متعددة الأبعاد تبدأ بتشديد الملاحقة القانونية للحسابات التي تروّج لمثل هذا التضليل، مروراً بدعم هيئات التحقق المستقلة ووسائل الإعلام المهنية، وصولاً إلى إطلاق برامج واسعة للتربية الإعلامية والرقمية، خاصة في صفوف الشباب، لتمكينهم من التمييز بين الخبر الصحيح والمحتوى المزيف. إن إعادة تدوير الفيديوهات القديمة لتقديم واقع غير موجود ليس مجرد ممارسة عابرة، بل يمثل تحدياً مباشراً للاستقرار الاجتماعي ولمصداقية النقاش العمومي، الأمر الذي يفرض وعياً جماعياً بأن الحرب الإعلامية اليوم لم تعد تقل خطورة عن أي مواجهة ميدانية، وأن حماية الفضاء الرقمي صارت جزءاً من حماية الأمن الوطني.