أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

قصرٌ يتمدّد في تندوف.. ومحتجزو المخيمات يتقلّصون جوعاً: مفارقات “الجمهورية الوهمية”…

قصرٌ يتمدّد في تندوف.. ومحتجزو المخيمات يتقلّصون جوعاً: مفارقات “الجمهورية الوهمية”…

 

 

الدار/ سارة الوكيلي

في الوقت الذي يفترض فيه أن تتّجه جهود قيادة جبهة البوليساريو نحو تحسين الأوضاع المأسوية لآلاف المحتجزين في مخيمات تندوف، تتسرّب معطيات مؤكدة من داخل الجبهة ومن مصادر حقوقية دولية حول تسريع وتيرة أشغال ما يُشبه “القصر الرئاسي الجديد” لإبراهيم غالي، في مشهد يكشف ازدواجية واضحة بين الخطاب الثوري المزعوم والواقع المعيشي المتدهور.

ورغم أن قيادة الجبهة تحاول تقديم المشروع كـ“مقر رسمي”، تكشف الصور وشهادات العاملين قرب الورش أنه مبنى ضخم بتجهيزات فاخرة، يُشيَّد في منطقة تغيب فيها حتى البنيات الأساسية الضرورية للساكنة نفسها على ارض جزائرية وهي في الأصل مغربية. هذا التناقض يطرح أسئلة جدية حول أولويات هذه القيادة المزيفة، خصوصاً في ظل التقارير الأممية التي دقّت ناقوس الخطر بشأن سوء التغذية في المخيمات وارتفاع نسب الفقر، إضافة إلى الاتهامات المتكررة باستغلال وبيع المساعدات الإنسانية في السوق السوداء، كما ورد في تقارير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش وبرنامج الأغذية العالمي خلال السنوات الأخيرة.

في خضم هذه الأزمة، تزداد أصوات الاستغاثة داخل المخيمات، حيث تتراجع الحصص الغذائية إلى أدنى مستوى منذ عقدين، بينما يضطر الأطفال والنساء للوقوف في طوابير طويلة من أجل الحصول على كيس دقيق أو كمية محدودة من العدس والزيت. الهيئات الإنسانية التي تعمل داخل المنطقة، وعلى رأسها الهلال الأحمر الجزائري ومنظمات إغاثة دولية، تؤكد أن التمويل الدولي لم يعد يصل إلى مستحقيه بالقدر الكافي، وأن سوء التدبير والفساد المستشري في هياكل الجبهة يفاقمان الوضع.

أمام هذا المشهد العبثي، تبدو المفارقة فاقعة: جبهة تدّعي تأسيس “جمهورية” بينما يعيش محتجزو المخيمات على وقع أزمة غذائية خانقة، وقائد يتحدث عن “حقوق المحتجزين” فيما يتابع بناء مقر فاخر أشبه بإقامة رئاسية، بأساسات تتقدم بسرعة تفوق بكثير سرعة وصول المساعدات الغذائية.

هذه الصورة لا تعبّر فقط عن سوء إدارة، بل عن خلل بنيوي في مشروع قائم على الوهم أكثر من كونه مشروعاً سياسياً حقيقياً. فكيف يمكن لكيان غير معترف به دولياً أن يبني مؤسسات وهمية بينما يعجز عن توفير لقمة العيش للمحتجزين؟ وكيف يمكن لقيادة معزولة عن هؤلاء أن تدّعي تمثيل قضية إنسانية وسياسية في آن واحد؟

إن ما يجري اليوم في تندوف يعكس—بوضوح لم يعد قابلاً للإنكار—فشل الجبهة في إدارة شؤون المخيمات، وتعاظم الهوة بين القيادة والواقع المعيشي للناس. وبينما ترتفع جدران “القصر الجديد”، تتآكل الثقة داخل المخيمات، ويزداد اقتناع المحتجزين بأنهم آخر من يُؤخذ بعين الاعتبار داخل “الجمهورية الوهمية” التي تُشيد مبانيها على حساب جوعهم ومعاناتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى